إعتقال عميد حمود خوفاً من “عدوى المعنويات”!!

إعتقال عميد حمود خوفاً من “عدوى المعنويات”!!

 

لبنان عربي – يحي الصديق

 

لم تكن حادثة توقيف العقيد المتقاعد في الجيش اللبناني عميد حمود، مجرّد إجراء قضائي عابر أو مخالفة إدارية روتينية، بل شكلت محطة بالغة الدلالة في مسار يتكرّر بوتيرة مقلقة.

 

مسار يستهدف شخصيات من الطائفة السنية تُعدّ ذات حضور رمزي وشعبي، وتتمتع باستقلالية فكرية لا تنسجم مع منطق الخضوع والانصياع. هي واقعة تتجاوز الأبعاد القانونية، لتطرح أسئلة جوهرية عن شكل العلاقة القائمة بين الدولة وهذه الطائفة، وعن أدوات الضبط المعنوي التي تُمارَس بصمت، وبدقة، ضد كل من يخرج عن الخط المُرسوم له سلفًا.

 

قضية العقيد حمود انطلقت، ظاهريًا، بحجة إدارية تتعلق بإدارة مستوصف يفتقر للترخيص القانوني.

 

غير أن ما كُشف لاحقًا من محاولات نبش في ملفات أمنية تعود إلى أكثر من عقد، يشير بأن الهدف الحقيقي لم يكن محصورًا بتلك المخالفة الشكلية، بل أبعد من ذلك بكثير.

 

إذ استُحضرت وقائع من مرحلة مضطربة، شهدت فيها البلاد انهيارات أمنية وصراعات مذهبية، تورّط فيها – عن قصد أو عن غير قصد – معظم مكوّنات المجتمع اللبناني.

 

وكان الأجدر، في مرحلة ما بعد تلك الحقبة، أن تتعامل الدولة مع تلك الملفات بروح العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، لا بمنطق الانتقائية والتصفية.

 

إن ما يجري اليوم بحق العقيد حمود لا يمكن فصله عن سياسات أوسع تهدف إلى “ضبط” المزاج السني العام، وتقليم أظافر أي تمثيل مستقل أو تأثير شعبي خارج العباءات التقليدية.

 

فالرجل، الضابط المتقاعد غير المحسوب على أي محور سياسي، والمقرّب من قاعدة شعبية ما زالت تؤمن بمشروع الدولة، لم يكن هو المستهدف بشخصه، بل بما يمثله.

 

ولذلك، جاءت الرسالة واضحة ومباشرة: من يتجرأ على رفع صوته أو التحرك خارج الأطر المرسومة، حتى لو استند إلى القانون، فإن مصيره سيكون خلف القضبان.

 

اللافت في هذا السياق أن المخالفات التي نُسبت إلى حمود تُعدّ شائعة في البلاد، ويمكن – لو أرادت السلطات – أن تُوجّه إلى مئات، بل آلاف المؤسسات والأفراد.

 

غير أن المعيار، كما يبدو، ليس قانونيًا، بل سياسي – معنوي بحت، يُحدده موقع الشخص من منظومة “الضبط العام”، وقدرته على التأثير في جمهوره.

 

عدوى المعنويات

 

وفي خلفية هذا المشهد، يبرز هاجس بعض القوى اللبنانية من انتقال “عدوى المعنويات” من الساحة السورية إلى نظيرتها اللبنانية، بعد أن عاد السنّة في سوريا إلى قلب المعادلة السياسية عقب سقوط النظام.

 

ومن هنا، يبدو أن ما جرى مع حمود لا يخلو من محاولة استباقية لتأكيد أن “لبنان ليس سوريا”، وأن استعادة السنّة لدورهم وثقتهم بأنفسهم خط أحمر، يُراد ضبطه مبكرًا وبشكل استعراضي.

 

إلا أن ما تغفله هذه الحسابات أن هذه السياسات، بدل أن تردع، تُحفّز.

 

فكل ظلم متراكم يُنتج وعيًا سياسيًا جديدًا، وكل استهداف يُفضي إلى مراجعة للخطاب وموقع المشاركة.

 

وفي بلد يقوم على التوازنات، يصبح صندوق الاقتراع الميدان الحقيقي للرد، لا الشارع، ولا المواجهات العبثية.

 

قضية العقيد حمود تحوّلت اليوم إلى ما هو أبعد من شخصه.

 

إنها مرآة لمظلومية سياسية متجذّرة، ورسالة مشفّرة تُراد منها إعادة الطائفة السنية إلى مربّع الخوف والانتظار.

 

غير أن الجواب لن يكون إلا بخطاب سياسي ناضج، جريء في مطالبه، صلب في تمسّكه بالشراكة، ومبني على فهم جديد لدور الطائفة في المشروع الوطني.

 

إن سجن العقيد حمود، في حقيقته، ليس إلا وجهًا من أوجه أزمة أعمق: أزمة نظام يُدار بالخوف لا بالعدالة، وبالتحييد لا بالشراكة.

 

لكن في كل طائفة لبنانية هناك من يشبه “عميد حمودها”، من يرفض الانكسار، ويحوّل المظلومية إلى قضية، والسجن إلى منبر، والزمن الصعب إلى ولادة لعدالة أكبر.

LinkedIn
Share
Copy link
URL has been copied successfully!

الأخبار