هل يردّ رئيس الجمهوريّة قانون استقلاليّة القضاء؟

هل يردّ رئيس الجمهوريّة قانون استقلاليّة القضاء؟

ملاك عقيل – اساس ميديا

حَجَبت “عاصفة السلاح” الأنظار عن عدّة ملفّات حيويّة، لن يكون بعضها متاحاً تمريره من دون صخب سياسي، كقانون استقلالية القضاءالعدليّ الذي أقرّه مجلس النوّاب في 31 تمّوز الماضي، بعد سنوات من المماطلة. تتردّد معلومات عن احتمال عدم نشره من قبل رئيس الجمهورية جوزف عون، وردّه إلى مجلس النوّاب لإعادة المناقشة في مدى “استقلاليّته”. وفي حال عدم ردّه، قد يكون مادّة للطعن أمام المجلس الدستوري.

 

أعلن طرفان قضائيّان أساسيّان رفضهما لإقرار القانون بالصيغة الحاليّة، وهما:

– مجلس القضاء الأعلى الذي رأى أنّ القانون “تضمّن نصوصاً لا تتوافق مع ما هو مطلوب لترسيخ الاستقلالية الفعليّة للسلطة القضائية، وتحقيق حسن سير العمل القضائي، لا سيما في ضوء ملاحظات مجلس القضاء الأعلى المتكرّرة”.

– نادي القضاة الذي تقدّم بكتاب إلى رئيس الجمهورية في 12 آب الجاري يطلب منه، التزاماً بخطاب قسمه بحماية الدستور وصون استقلاليّة القضاء، عدم نشر القانون، لما يتضمّنه من مخالفات دستورية واضحة، وتناقض بين نصوصه، وتضمّنه موادَّ تمسّ باستقلاليّة القضاء والقضاة. ويعقد “نادي القضاة” الإثنين المقبل في مقرّ اتّحاد الصحافيّين مؤتمراً صحافيّاً، وُصِف بـ”المهمّ”، يتناول فيه ملاحظاته على القانون.

ترى مصادر قانونية أنّ “هواجس نادي القضاة، والعديد من القضاة من خارج “النادي”، حيال نصوص القانون المُقرّ، تختلف في العديد من مفاصلها عن تلك التي يتحدّث عنها مجلس القضاء الأعلى، بحيث أنّ “منسوب الاستقلاليّة” المطلوبة أعلى لدى “النادي”.

من جهته وصف رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان، في تصريحات صحافية، إقرار القانون بـ”الإنجاز. وهو حديث وعصريّ، وأُشبِع نقاشاً في اللجنة. وقد أُعطي القضاة ما يريدون كي يحكموا باسم الشعب اللبناني”.

قانون استقلاليّة القضاء معرّض للإبطال أمام المجلس الدستوريّ

عضو حكميّ شيعيّ

ربّما إحدى أهمّ التمريرات السياسية، وإن بشكل غير مباشر، التي طَبَعَت إقرار القانون، وكانت من ضمن التعديلات التي أُدخلت في اللحظات الأخيرة في الهيئة العامّة في مجلس النوّاب، والمتوافق عليها سياسيّاً، ضمُّ رئيس معهد الدروس القضائية (عضو في مجلس القضاء الأعلى) إلى خانة الأعضاء الحكميّين في المجلس.

المتعارف عليه، وفق التوزيعات الطائفية في مجلس القضاء الأعلى، أنّ منصب رئيس معهد الدروس القضائية “مطوّب” لقاضٍ شيعي. أمّا الأعضاء الحكميّون المعيّنون من قبل الحكومة فهم قبل تعديل القانون: الرئيس الأوّل لمحكمة التمييز، رئيس مجلس القضاء الأعلى (ماروني)، النائب العامّ لدى محكمة التمييز (سنّيّ)، رئيس هيئة التفتيش القضائي (سنّيّ) من أصل عشرة أعضاء يؤلّفون المجلس.

تقول مصادر متابعة: “في عزّ سلطة ونفوذ الثنائي الشيعي، طوال العقود الماضية، لم يتمكّن الرئيس برّي من تمرير هذا التعديل، إلى أن أصبح اليوم في صلب قانون استقلاليّة القضاء العدلي”.  هذا يعني أنّ عدد الأعضاء الحكميّين المعيّنين من قبل السلطة ارتفع على حساب عدد الأعضاء المُنتخبين.

ملاحظات جوهريّة

في الشكل، رافقت إقرارَ القانون مخالفاتٌ فاضحة تعرّضه للإبطال أمام المجلس الدستوري. فرئيس مجلس النوّاب نبيه برّي لم ينتظر استكمال المناداة بالأسماء لإقراره، بل سارع إلى استخدام مطرقته، معلناً “صُدّق”، بمادّة وحيدة، ومن دون نقاش في تعديلاته، لا سيّما تلك التي مُرّرت في اللحظات الأخيرة، وبالتالي من دون التصويت عليه مادّة مادّة. وقد تشكّك عدد من النوّاب في أن يكون القانون قد نال الأكثريّة المطلوبة.

قالت مصادر نيابية لـ”أساس” إنّ “غالبيّة النوّاب عرفوا بالتعديلات بعد إقرار القانون، حتّى أؤلئك الذين كانوا يشاركون في اجتماعات لجنة الإدارة والعدل، إذ لم تكن ورقة التعديلات التي قرأها رئيس اللجنة جورج عدوان في الجلسة كافيةً لشرح مضمونها”.

المتعارف عليه، وفق التوزيعات الطائفية في مجلس القضاء الأعلى، أنّ منصب رئيس معهد الدروس القضائية “مطوّب” لقاضٍ شيعي

في المضمون، هناك عدّة ملاحظات جوهرية على القانون المُقرّ، رفعها “نادي القضاة”، بالتفصيل، ضمن كتابه إلى رئيس الجمهورية:

– أخطرها، كما تقول مصادر قضائية، منح النائب العامّ التمييزي صلاحيّة “كفّ التعقّبات عن ملفّ قيد النظر، عبر الرئيس التسلسليّ لأيّ عضو في النيابة العامّة، وتكون ملزِمة لجميع قضاة النيابة العامّة”. وهو ما يعني قدرة مدّعي عامّ التمييز على وقف الملاحقات في حقّ القضايا العامة، وأيّ قضيّة يمكن أن تتسرّب إليها الحسابات السياسية، فيكون النائب العامّ التمييزي المعيّن من قبل السلطة جاهزاً للتنفيذ حماية المتورّطين والمرتكبين!

القضاء

– في مسألة التشكيلات القضائية، في حال الخلاف بين وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى، يدعو الوزير الى جلسة مشتركة بينهما. وإذا استمرّ الخلاف، ينعقد المجلس ويتّخذ قراره بأكثريّة سبعة أصوات، ويتمّ التصويت على كلّ مركز بمفرده. في هذا الشأن يتخوّف قضاةٌ من أن تكون هذه الأكثريّة عامل تعطيل لصدور التشكيلات.

– وضع آليّة معقّدة للترشّح للمراكز القضائيّة في ما يتعلّق بالمناقلات والتشكيلات القضائية. وعند عدم توافر العدد الكافي من القضاة للترشّح، يُعطى مجلس القضاء الأعلى، غير المحرَّر من القبضة السياسية، حقّ تعيين القضاة وفق “معاييره”.

– وفق ملاحظات نادي القضاة، الإصرار على اعتماد آليّة التعيين من قبل السلطة التنفيذية بالنسبة لرئيس مجلس القضاء الأعلى، الذي ينيط به القانون صلاحيّات غير مبرّرة وخارجة عن المألوف، من شأنه أن ينسف استقلاليّة القضاء. يكون القانون بذلك قد أعاد غالبيّة صلاحيّات إدارة مرفق القضاء العدليّ إلى السلطة التنفيذية، بصورة غير مباشرة عبر رئيس “ملك” معيَّن من قبلها.

في مسألة التشكيلات القضائية، في حال الخلاف بين وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى، يدعو الوزير الى جلسة مشتركة بينهما

– لم يعالج القانون الاستقلاليّذة الداخلية للقاضي، التي تفوق أهميّة الاستقلاليّة الخارجية للسلطة القضائية. وربّما “أصعب” مساوئ القانون عدم تحرّره من التوزيع الطائفي في معظم المراكز القضائية، مبقياً إيّاها رهينة المزاج السياسي للقوى المؤثّرة.

– تناولت الملاحظات هيئة التفتيش القضائي و”الصلاحيات التأديبية المخالفة لأبسط القواعد الدولية والدستورية”، وحقّ الطعن في القرارات التي تعني القاضي، وحرّيّة التعبير والحقّ في التجمّع وتطبيق نظام الموظّفين، وآليّة التقويم من قبل مجلس القضاء الأعلى، وضرورة استخدام مصطلحات واضحة لتفادي التعسّف، وخرق مبدأ المساواة.

يُذكر أنّ الحكومة الحاليّة أقرّت مشروع قانون استقلاليّة القضاء العدلي في أيّار 2025، وتمّت مناقشته في لجنة الإدارة والعدل، وإحالته إلى الهيئة العامّة التي أقرّته في جلسة بعد الظهر في 31 تمّوز الماضي تحت مظلّة التوافق السياسي. هذا مع العلم أنّ نواة مشروع استقلاليّة القضاء قُدّم من تسعة نوّاب، بالتنسيق مع المفكّرة القانونية، في 6 أيلول 2018.

 

في جلسة الإقرار، حصلت مداولات علنيّة، وتحت الطاولة، بين رئيس المجلس وعدد قليل من النوّاب ورئيس الحكومة نوّاف سلام ووزير العدل عادل نصّار، أفضت إلى تعديلات أساسيّة طالت القانون في نسخته المُقرّة، وسط تفرّج النوّاب الباقين. وقد افتتح الرئيس برّي الجلسة بالقول: “قانونا المصارف والقضاء آخر مَطلبَين منّا. ما في طلعات ونزلات. بدّي خلّصن بهيدي الجلسة”!

LinkedIn
Share
Copy link
URL has been copied successfully!

الأخبار