دعوات درزية “لرأب الصدع” الداخلي

دعوات درزية “لرأب الصدع” الداخلي

كتب عامر زين الدين في “نداء الوطن”:

منذ وقعت الأحداث الدامية في مدينة السويداء السورية، دخلت طائفة الموحّدين الدروز في نفق سياسي وروحي واجتماعي، عكس تداعيات تلك “المحنة”، إضافة إلى ما تضجّ به التطبيقات الإعلامية المختلفة ولا سيّما منها مواقع التواصل الاجتماعي على نحو كبير، ليبرز بشكل لافت التخبّط الحاصل، حيال المقاربات الواقعية لكيفية التعاطي مع ما جرى، قياسًا لوصف الزعماء الدروز له بأنه ضمن المشاريع والمخططات الدولية والأممية، الأمر الذي يفسّر التسليم بأنه “أكبر من الجميع”.

الفيديو الذي انتشر بسرعة البرق بعد ظهور أحد مشايخ الدروز وهو يواجه رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” السابق وليد جنبلاط بأسئلة محرجة أثناء زيارته ورئيس “الحزب الديمقراطي” النائب السابق طلال أرسلان منزل أحد المراجع الروحية في الطائفة، إنما يكشف عن مكنون شريحة واسعة من دروز لبنان، الذين يشعرون أنّ مواقف قياداتهم السياسية لم ترق إلى حجم الواقعة التي حصلت، بدءًا بـ 13 إلى 16 تموز الماضي ولا تزال تداعياتها مستمرّة، حتى في ظل قرار وقف إطلاق النار، الذي يتم خرقه بين الحين والآخر، واستمرار احتجاز المسلحين العشرات من النساء والرجال ولا سيّما بينهم 79 امرأة.

ما قبل تاريخ وقوع مجازر السويداء، بما فيها من حملات الإبادة الجماعية وهول الفظائع والجرائم وأعمال القتل والذبح والخطف وسبي النساء وحرق ونهب المنازل وإذلال الشيوخ بحلق شواربهم وتفجير آبار المياه وحرق المطاحن، وتحويل مدينة “جبل العرب” بالكامل إلى منكوبة، غير التاريخ الذي بعده. وإذا كانت المشكلة سابقًا تتمحور حول ملف درزي عام بدأ في جانب منه مع تسلّم الرئيس أحمد الشرع السلطة الموقتة وكيفية مقاربة الموضوع من وجهتين: الأولى، ترى أن الرجل مهما يكن، فسيكون أفضل من نظام الأسد المخلوع، بممارساته اللبنانية عمومًا ومع الدروز تحديدًا، وهو المتهم أساسًا بقتل زعيمهم كمال جنبلاط، الذي أصرّ الرئيس الروحي لطائفة الموحّدين الدروز في سوريا الشيخ حكمت الهجري على رفع صورته في الساحات المنتفضة على مدى سنة وأربعة أشهر ضد النظام البائد. وعليه، كانت الزيارة الأولى لوفد لبناني لتهنئة الشرع من الدروز وعلى رأسهم وليد جنبلاط والنائب تيمور جنبلاط وشيخ العقل للطائفة د. سامي أبي المنى.

أما وجهة النظر الثانية، فكانت للشيخ الهجري نفسه ومن معه، بالمجاهرة بعدم الثقة برجل عانى منه الدروز أيام “هيئة النصرة” ومن إجرام في قلب لوزة (حلب)، بعدما اجتاحت عناصره قراهم وسقط العشرات من الضحايا في مجازر مروّعة ارتكبتها تلك العناصر وهدم خلوات درزية وتحويل بعضها إلى مساجد، ثم اختطاف نحو 21 شخصًا من الرجال والنساء، اضطر جنبلاط حينذاك، لدفع مبالغ طائلة لـ “الجولاني”، من أجل معالجة تلك القضية. ثم جاءت حوادث صحنايا وأشرفية صحنايا، بعد اجتياح عناصر مسلّحة بلباس أمني البلدة بتاريخ 30 نيسان الماضي وقُتل إثر ذلك نحو 120 رجلًا وامرأة من الدروز العزّل وخطف العشرات منهم، ولا يزال 6 أشخاص بعداد المخطوفين منذ ذلك التاريخ.

الوقائع السلبية الدامغة على الساحة السورية، وعدم أخذ الدولة في الاعتبار الخصوصية الدرزية ومعها باقي مكوّنات مجتمع السويداء ومن بينهم المسيحيون، أعطت الحق المطلق للشيخ الهجري، وانضمّ إليه وقتذاك الرئيس الروحي للطائفة في فلسطين المحتلة الشيخ موفق طريف، في مقاربة تلك الهواجس، المدفوعة بسوابق تلك الممارسات للنظام الجديد، وبطلب الهجري الحياد واللامركزية الإدارية، ولاقاه بطلبه مشايخ ومراجع روحية من لبنان أيضًا، فاتُهم الشيخ الهجري زورًا من قبل الدولة السورية بأنه يريد الانفصال، الأمر الذي نفاه رسميًا.

لم تكن مقولة “السيبة الروحية”، والمقصود بها المشايخ طريف (فلسطين) والهجري (سوريا) والمرجع الروحي الشيخ “أبو يوسف” أمين الصايغ (لبنان)، إلّا ترجمة للانقسام السياسي – السياسي، والسياسي – الروحي، الذي يتحكّم بمفاصل الحركة الدرزية الراهنة. وقد حاول جنبلاط وأرسلان أخيرًا التخفيف من الشرخ الحاصل بفكرة القيام بزيارات للمشايخ في الجبل، بهدف ضبط الساحة بعد النجاح في تجاوز آثار وتداعيات الفتنة، التي كادت تمتدّ بخطرها إلى لبنان بين السنة والدروز. وفي السياق نفسه، من المقرر أن يلقي رئيس حزب “التوحيد العربي” الوزير السابق وئام وهاب كلمة في “وقفة الكرامة التي تجسّد وحدة الموقف وتُعلي صوت الحق بوجه الظلم والتهميش” التي ستقام عصر اليوم في دار بلدة الجاهلية الشوف، بدعوة من مشايخ وأهالٍ في البلدة.

المواقف المتباينة على الساحة الدرزية التي “طافت على السطح”، اضطرت أرسلان للخروج أخيرًا بفيديو مصوّر، يشرح موقفه من المواضيع المثارة، لا سيّما بعد التجييش السلبي الحاصل على مواقع التواصل وأسباب علاقته المتطوّرة مع جنبلاط، للإعلان عن “التمايز” بين الموقفين حيال بعض المسائل التي تخصّ الطائفة، مثل قانون المجلس المذهبي، والعلاقة مع المشايخ تحديدًا، وعدم المساومة على القناعات الأرسلانية. وثمّة من أشار على التطبيقات الإعلامية إلى أن مردّ التفاهم الجنبلاطي – الأرسلاني، يأتي بعد الاتفاق الانتخابي في الاستحقاق النيابي المقبل، حول مقعدين درزيين في دائرتي عاليه وحاصبيا – مرجعيون الانتخابيتين. وفيما يلوذ  الزعيم الدرزي الأبرز بالصمت حيال الحملات التي تستهدفه، أعلن “الحزب التقدمي الاشتراكي” أمس الأول الأربعاء عن “تقديم جنبلاط سبعة أجهزة طبية لغسل الكلى، ضمن قافلة المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية التي وصلت إلى السويداء”.

وفي السياق نفسه، لفتت مصادر متابعة لـ “نداء الوطن” إلى دعوات درزية بدأت السعي والترويج، من أجل قيام مساعٍ لرأب الصدع الداخلي وليس فقط على مستوى لبنان، نظرًا لدقة المرحلة التي تمرّ بها الطائفة راهنًا وتستدعي تحدّياتها المختلفة خطوات علاجية، للتخفيف من الاحتقانات الحاصلة ومعالجة الشوائب والاتفاق على عناوين أساسية مشتركة.

LinkedIn
Share
Copy link
URL has been copied successfully!

الأخبار