كتب عماد الشدياق في “نداء الوطن”:
قبل نحو أسبوع، منحت الحكومة أصحاب المولّدات مهلة 45 يومًا من أجل التزامهم بالتسعيرات الصادرة عن وزارة الطاقة، وتركيب العدّادات الإلكترونية، والفلاتر المطابقة للمواصفات المطلوبة وتقديم التصاريح والامتثال للشروط البيئية. وللمفارقة، فإنّ المهلة المذكورة أعلاه هي أطول من تلك التي منحتها للجيش اللبناني من أجل حصر السلاح (30 يومًا)!
في بلد يعيش على استيراد المحروقات، يصبح كلّ ليتر مازوت يُحرق خارج منظومة الدولة نزيفًا مباشرًا للعملة الصعبة، خصوصًا إذا كان هذا النزيف يعتمد على المولّدات الخاصة، و «بالمفرق» فتصبح التكلفة زائدة نظرًا لحجم حرق المازوت الإضافي.
تشير التقديرات إلى أنّ عدد المولّدات الموزعة في الأحياء والبلدات بكل لبنان، هي قرابة 11 ألف مولّد تقريبًا. تدور محرّكاتها لساعات طويلة يوميًا لكي تسدّ الفجوة بين ما تستطيع الدولة إنتاجه وبين حاجة الناس الفعلية للكهرباء.
كلفة إنتاج المولّدات تقدر بنحو 0.27 دولار لكل كيلواط/ساعة. بينما كلفة إنتاج الدولة بالفيول الثقيل هي نحو 0.19 دولار/كيلواط/ساعة أمّا حاجة لبنان للكهرباء فهي قرابة 7 تيراواط/ساعة سنويًا.
وعليه، فإنّ التكلفة الإجمالية لسدّ حاجة لبنان بالطاقة هي:
– إنتاج المولّدات بالمازوت (7 تيراواط-ساعة) × 0.27 دولار/ك.و.س، هي 1.89 مليار دولار سنويًا، وذلك بمعدل وسطي لسعر طنّ المازوت بـ 630 دولارًا.
– إنتاج الدولة بالفيول الثقيل (7 تيراواط-ساعة) × 0.19 دولار/ك.و.س، هي 1.33 مليار دولار سنويًا، بمعدل وسطي لسعر طنّ الفيول الثقيل بين 300 و 450 دولارًا.
وهذا يعني أن الفرق بين إنتاج مؤسسة كهرباء لبنان وإنتاج المولّدات، هو قرابة 560 مليون دولار تُهدر من عملات لبنان الصعبة، يمكن تحاشيها لو كانت الدولة هي الجهة الوحيدة القادرة والمخوّلة بتوليد الطاقة وبيعها.
إذا عدنا إلى الواقع، فإنّ السعر الذي تحدّده المولّدات للمستهلك، هو قرابة 100 دولار شهريًا لكل 5 أمبير وكثير من المشتركين يأخذون 10 أمبير أو أكثر. لكن فلنأخذ 5 أمبير كمتوسط للاشتراك الواحد.
وعليه، فإنّ الاشتراك السنوي يعادل 100 دولار × 12 شهرًا = 1,200 دولار سنويًا لكلّ مشترك.
أما عدد المشتركين التقريبي، إذا افترضنا أنّ عدد المولّدات هو 11 ألفًا، وكل مولد لديه 200 مشترك، يصبح العدد الإجمالي للمشتركين 2.2 مليون مشترك.
وعليه، فإنّ الإيراد الإجمالي السنوي للمولّدات من هؤلاء المشتركين هو: 2.2 مليون مشترك × 1,200 دولار = 2.64 مليار دولار سنويًا.
إذا افترضنا أيضًا، أنّ كلفة التشغيل (مازوت + صيانة) هي كالتالي: المولّدات تحرق ما يعادل 1.89 مليار دولار سنويًا كوقود مضاف إليه الصيانة والتشغيل وأجور ما يعادل 10 % من الإيرادات، فإن كلفة التشغيل هي قرابة 260 مليون دولار. أي أنّ التكلفة الكلية هي 2.15 مليار دولار. وبذلك، يصبح الربح الصافي السنوي للمولدات هو: نحو 490 مليون دولار. أي نسبة هامش الربح الصافي تقارب 19 % سنويًا بعد خصم المحروقات والصيانة والأجور.
وبذلك تكون الدولة قد خسرت 560 مليون دولار حينما تخلت عن وظيفة إنتاج الطاقة (فرق كمية المحروقات بين ما تستهلكه مؤسسة كهرباء لبنان والمولدات). كما خسرت في المرة الثانية فرق الربح المقدر بنحو 490 مليون دولار والذي يذهب إلى جيوب أصحاب المولدات… أي أن الخسارة الإجمالية سنويًا هي قرابة 1 مليار دولار.
الأمر لا يتوقف عند الخسارة المالية، بل يتعداه إلى الأثر الاقتصادي والاجتماعي. مبلغ المليار دولار الذي يذهب سنويًا لشراء المازوت يعني طلبًا إضافيًا على الدولار في السوق، بالإضافة إلى الضغط على سعر صرف الليرة، وتعميق إضافي للتضخم.
يعني أيضًا أنّ هذه الأموال تخرج من الدورة الاقتصادية المحلية نحو الخارج، بدل أن تُستثمر في بنى تحتية أو مشاريع طاقة مستدامة. والأسوأ، أنّ المولّدات تفرض على المشتركين كلفة أكبر بكثير مما كانوا سيدفعونه لو توفرت الكهرباء من الدولة، حيث تصل التعرفة الشهرية إلى مستويات تثقل كاهل العائلات وتقتطع جزءًا كبيرًا من دخلها.
المفارقة أن لبنان يمتلك اليوم طاقة شمسية خاصة يقال إن قدرتها تصل إلى نحو 1,500 ميغاواط، أي ما يمكن أن يوفّر نسبة معتبرة من حاجات الكهرباء إذا أحسن تنظيمها وربطها بالشبكة العامة. لكن غياب التخطيط، وعدم وجود إطار تشريعي وتنظيمي لدمج الإنتاج اللامركزي، جعل هذه القدرة الشمسية تخفّف فقط من فاتورة بعض المنازل والمؤسسات، من دون أن تسهم بشكل جذري في تقليص ساعات تشغيل المولّدات على المستوى الوطني.
الحلّ لا يحتاج إلى اختراع العَجَلة. مجرّد رفع إنتاج الدولة إلى مستويات الطلب الفعلية، عبر تشغيل محطات الغاز أو إعادة تأهيل المعامل القائمة، يمكن أن يخفض الهدر السنوي بأكثر من نصف مليار دولار، ويحرّر هذه الأموال المهدورة لوجهات أخرى.
لكن المسألة ليست تقنية فقط، بل سياسية وإدارية. المولّدات الخاصة أصبحت اقتصادًا موازيًا قائمًا بذاته، تدعمه مصالح مالية وشبكات نفوذ محلية، تستفيد من استمرار الفجوة في إنتاج الكهرباء. أي خطة جدية لسدّ هذه الفجوة ستصطدم بمقاومة من هذه الشبكات، كما ستحتاج إلى قرارات جريئة لإعادة تنظيم القطاع وإدخال بدائل أقل كلفة وأقل ضررًا على البيئة.