غادة حلاوي – المدن
حقق استئناف التواصل بين الثنائي والقصر الجمهوري هدفه بعودة الحوار بين الطرفين. فقد نجح مستشار رئيس الجمهورية، العميد أندريه رحال، وبشهادة الثنائي، في تليين المواقف وتقريب وجهات النظر بين رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري. وقد أوضح رحال ما اعتبره الثنائي انقلاباً في المواقف من بعبدا على حزب الله، ففند بنود الورقة الأميركية التي نوقشت في مجلس الوزراء، مشيراً إلى نقطتين أساسيتين: أن الورقة تحتاج إلى موافقة إسرائيل، وأن خطة الجيش متى أنجزت ستُعرض للنقاش داخل مجلس الوزراء.
توزعت زيارات رحال بين عين التينة وحارة حريك وما بينهما، أي السفارة الإيرانية. لقاءات اتسمت بالمصارحة والمصالحة مع الثنائي الشيعي الذي تحرص بعبدا على العلاقة به، في حين يحرص الثنائي على علاقته برئيس الجمهورية جوزاف عون. أما اللقاء مع السفير الإيراني في لبنان ففتح الباب أمام التفكير في دور إيراني مساعد لعودة المفاوضات حول حصرية السلاح. وقد أبدى الجانب الإيراني، خلال زيارة موفده إلى بعبدا، استعداداً للتدخل أو الامتناع عن التدخل وفق ما يطلبه لبنان. عندها شدد الرئيس عون على أن لإيران دوراً يمكن أن يكون إيجابياً في لبنان. وفي هذا السياق، جاءت زيارة رحال للسفير الإيراني والتي تلتها زيارة لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان لإيران دور في ترتيب العلاقة.
جاءت زيارات رحال بعد انقطاع طويل إثر جلسة الحكومة الأخيرة التي عقدت في القصر الجمهوري، وأُقرت خلالها ورقة الموفد الأميركي توم باراك رغم انسحاب الوزراء الشيعة من الجلسة. تلك الجلسة تسببت بعتب وصل إلى حد القطيعة، إذ شعر الثنائي بأن رئيس الجمهورية انقلب عليه بعدما كان الاتفاق على عدم إقرار ورقة باراك أو تحديد جدول زمني لسحب سلاح حزب الله.
مفاتحة وعتب متبادل
خلال فترة الانقطاع جرت محاولات تواصل لم تخلُ من عتب ونقاشات عميقة بين ممثلين عن الثنائي ومستشار الرئيس، وانتهت بالاتفاق على زيارة العميد رحال إلى عين التينة ثم لقائه مع رعد. المفارقة أن هذه المرة كانت الأولى التي يعلن فيها حزب الله، عبر علاقاته الإعلامية، عن اللقاء بين رعد ورحال. في عين التينة، واجه رحال ملاحظات حول جلستي مجلس الوزراء، وعن الهدف من انسحاب الوزراء الشيعة بعد مشاركتهم. فاعتبرت عين التينة أن الاتفاق كان يقضي بتأجيل البت في بند السلاح ريثما يتم التوافق، فيما رأت الرئاسة الأولى أن إقرار الورقة كان إلزامياً، خصوصاً أن مجلس الوزراء كان قد أقر بنوداً بحضور الثنائي، ولم يعد ممكناً تأجيل بند حصرية السلاح أو ورقة باراك. وأكدت بعبدا أن إقرار لبنان للورقة، التي تشترط موافقة سوريا وإسرائيل على تنفيذها، يخفف الضغوط ويضع الكرة في الملعبين الإسرائيلي والسوري.
في المقابل، اعتبرت حارة حريك أن إقرار الورقة بالشكل الذي حصل هو بمثابة تسليم بالمطالب الأميركية، خصوصاً أن التعديل الأخير أدخل حصرية السلاح وخطة الجيش كبند أول وأساسي. ورأت أن الخطوات التي أُقرت لم تكن مدروسة ولم تحظَ بإجماع وطني، وجاءت خارج السياق المتفق عليه مع رئيس الجمهورية، أي مناقشة بند السلاح ضمن الاستراتيجية الدفاعية بعد الانسحاب الإسرائيلي ووقف العدوان وعودة الأسرى.
تقول أوساط الثنائي إن رحال، في لقاءيه، حاول التخفيف من وطأة القرارات والإبقاء على خطوط التواصل قائمة لإعادة ترميم العلاقة، خصوصاً أن الرهان على تنازلات إسرائيلية لم يكن في محله، إذ إن الورقة الأميركية تنطلق من تبنٍ كامل للموقف الإسرائيلي، من دون ضغوط جدية أو ضمانات أميركية على إسرائيل.
لكن الثنائي لم يعدل موقفه، وهو يتمسك بضرورة أن تصحح السلطة خطأها. أما حزب الله فيرى، أن على السلطة التراجع خطوة إلى الوراء. إزاء ذلك، أكد رحال أن العهد يريد استمرار الحوار حول حصرية السلاح، ويحرص على معالجة الوضع بعيداً عن المنطق الصدامي، لإيجاد حلول تكفل المصلحة الوطنية.
التعويل على الجيش
الثنائي يعتقد أن أمام السلطة فرصاً يمكن أن تشكل حلولاً. فإذا كان الخطأ بالتعويل على الجيش لإنجاز خطة سريعة، فلا بد من الحرص على عدم تحويل الجيش إلى طرف، بل الإبقاء عليه ضمانة للاستقرار. أما المخرج الثاني فقد يكون برفض إسرائيل تطبيق بنود الورقة، ما يجعلها بحكم الملغاة، لكون تنفيذها مشروطاً بموافقة الأطراف الثلاثة لا طرف واحد.
وإلى حين تسلم لبنان الجواب الإسرائيلي، المتوقع خلال زيارة الموفد الأميركي توم باراك برفقة مورغان أورتاغوس، يبقى حزب الله على موقفه الرافض لأي تنازلات. فالأولوية بالنسبة إليه هي انسحاب إسرائيل ووقف عدوانها، وأي اتصالات داخلية مع بعبدا لا جدوى منها إلا إذا تراجعت السلطة عن موقفها. فالثنائي غير مستعد لتلقي وعود جديدة بعد تجارب سابقة لم تُحترم، خصوصاً في ضوء الإفراج عن موقوف إسرائيلي بالطريقة التي حصلت، فيما لا يزال لبنانيون معتقلين في السجون الإسرائيلية.
أما بعبدا، فتثمن إيجاباً عودة الحوار. لكن المسار طويل، وكانت خطوة إقرار الورقة بدايته الأولى، فيما ستكون المراحل التالية أكثر صعوبة حكماً، ولا سيما أن للجيش اعتباراتِه وملاحظاتِه على ما يُطلب منه.