اختتمت جامعة طرابلس- لبنان عامها الجامعي الثالث والأربعين بتخريج دفعة جديدة من طلاب كلياتها، بحضور ممثل رئيس الحكومة وزير الاقتصاد والتجارة عامر البساط، ممثل مفتي الجمهورية مفتي زحلة والبقاع الدكتور علي غزاوي، ممثل وزير الداخلية والبلديات قائد منطقة لبنان الشمالي لقوى الأمن العميد مصطفى بدران، السفير الأندونيسي ديكي كومر، ممثل سفير دولة فلسطين نزيه شما، النواب أشرف ريفي، إيهاب مطر وطه ناجي، ممثل النائب عبد الكريم كبارة سامي رضا، الوزير السابق عمر مسقاوي، ممثل مفتي طرابلس والشمال الشيخ أمير رعد، ممثل قائد الجيش العميد مروان متى، ممثل المدير العام للأمن العام المقدم غيث يوسف، ممثل المدير العام للأمن الداخلي قائد سرية طرابلس العميد بهاء الصمد، رئيس رابطة جامعات لبنان البرفسور الأب سليم الدكاش، رئيس اتحاد بلديات الفيحاء المهندس وائل ازمرلي وشخصيات وفاعليات.
بعد دخول موكب الرئيس والعمداء والأساتذة والخريجين والخريجات، استهل الاحتفال بتلاوة من القرآن الكريم فالنشيد الوطني ونشيد الجامعة، ثم رحب محمد حندوش بالحضور وجرى عرض فيلم وثائقي تعريفي بالجامعة.
ميقاتي
وألقى رئيس الجامعة البروفسور رأفت محمد رشيد الميقاتي كلمة اشار فيها الى أن “التأهّل لنيل شهادة الاعتمادية المؤسسية من الوكالة الدولية الألمانية (ACQUIN) إنجاز يعكس اجتياز الجامعة للمعايير الأوروبية في الجودة الأكاديمية والإدارية، ويعزّز من قيمة شهاداتها لدى الجامعات الأوروبية”.
وذكّر بأن الجامعة أطلقت “مبادرة رائدة وغير مسبوقة إبّان الانتخابات البلدية، حيث تمّ – بتعاون مع دار الفتوى – توقيع جميع اللوائح الانتخابية على “ميثاق العمل البلدي” الذي أعدّته نخبة من رجالات المدينة، ضمانًا لمسيرة منتجة في العمل البلدي بعيدًا عن التعطيل، مع وضع آلية لحل النزاعات المحتملة بين الكتل، فضلًا عن تنظيم دورات لتعزيز القيادة البلدية النافعة. كذلك، ومن موقعها كنائب رئيس رابطة الجامعات في لبنان، أوصلت الجامعة المطالب المحقّة للجامعات وطلابها إلى وزارة التربية والتعليم العالي، وسعت لمعالجة العديد من الملفات المعقدة، التي تسبّب بها بعض الجامعات التجارية بالتفريط في الأمانة الأكاديمية ومنح الشهادات لغير مستحقيها”.
ووجه “نداء عاجلا” لوزارة التربية والتعليم العالي وللنواب بضرورة “الإسراع في إصدار قرارات المعادلات في عدد من التخصصات، والتي تسبب تأخيرها في إلحاق الضرر بالطلاب الخريجين لسنوات طويلة”.
غزاوي
ثم ألقى المفتي الغزاوي كلمة مفتي الجمهورية فقال: “من مدينة طرابلس الفيحاء، مدينة العلم والعلماء، مدينة السلام، ومدينة صناعة الرجال، نزفّ إلى الأمة كوكبة من أبنائها البررة، علّموها في مدارسها، وتربّوا في مؤسساتها، وتخرّجوا من جامعتها، ليكونوا رجال الغد، وحروف الرسالة، وصوت الأمة الصادق”.
أضاف: “ان المؤسسات في حياة الأمة هي التي تبقى، وبقاؤها يعني بقاء الأمة نفسها. وإن جامعة طرابلس اليوم تكتب سطراً جديدًا في سجل العلم والمعرفة، تصوغ العقل ليحمل همّ الأمة، وتربطه بالسماء ولاءً، وتشدّه إلى الأرض وفاءً. نزفّ جيلاً جديدًا إلى مؤسسات دولتنا وإلى أمتنا، جيلاً يحمل هموم الأمة ولا يكون همًّا على الأمة، جيلاً تشرّب معاني القرآن، وتربّى في بيئة الكتاب، ليكون حروف الشريعة الناطقة، وألسنة الحقّ المبينة. فلا تكتفوا – أيها الخريجون – بأن تحدّثوا الناس عن الإسلام، بل أروا الناس الإسلام فيكم خلقًا وسلوكًا وعطاءً. ونقول لشركائنا في الوطن: سنبقى معًا، يدًا بيد، نبني الأجيال ونبني الوطن، حتى يبقى لبنان الرسالة، الوطن الذي يريده العالم منارة للتعايش. ولأجل ذلك، يريدون منا أن نتنازل، لكننا نقول: نعيش إسلامنا، ولا نتنازل عنه”.
واستذكر “المؤسس الشيخ محمد رشيد الميقاتي، رحمه الله، الذي غرس هذه المؤسسة المباركة، فأنبتت عقولاً وقلوبًا وطلابًا صاروا مشاعل للعلم والإيمان. ونترحم على روحه، ونسأل الله أن يبارك في ذريته وطلابه ومحبّيه، فهم امتداد لرسالته المباركة”.
وختم: “أيها الخريجون، لقد استثمرنا عقولكم صغارًا وشبابًا، وحان الوقت أن تستثمر دولتكم عقولكم كبارًا. فالأمم تبنى بالعقول النيّرة، لا بالولاءات الضيقة، والمؤسسات تصمد برجالها المخلصين. إن دار الفتوى – التي تمثل مرجعية المسلمين في لبنان – كانت وما زالت وستبقى الركيزة الأساس للوحدة الوطنية الجامعة، تحمي الجميع، وتجمع ولا تفرّق، وتؤكد أن فلسطين – جارتنا وقضيتنا – ستبقى في قلوبنا وفي حياتنا، كما بقيت في ضمير الأوزاعي من قبلنا، وكما سيبقى الأقصى وجهتنا حتى نلقى الله. نحن لا نريد حصة من الوطن، بل نريد حصة في بناء الوطن. لبنان سهله وجبله منبت الرجال، ونريد دولة تحتضن هؤلاء الرجال وتستثمر قدراتهم في البناء والعطاء. إن دار الفتوى تريد لبنان دولة قوية، لأن قوة الشعب من قوة دولته. فإذا كانت الدولة قوية، فلا حزب يحمي ولا طائفة تحمي؛ الدولة وحدها هي التي تحمي الجميع. فافتحوا المجال لدولتنا كي تسود شعبها، ولا تجعلوا الدولة ندًّا أو خصمًا، بل هي الأم الحاضنة التي تحتضن أبناءها جميعًا”.
الدكاش
ثم ألقى الدكاش كلمة نوه فيها ب”جامعة طرابلس، هذه الجامعة العريقة”، مشيرا الى ان رابطة جامعات لبنان تعمل بلا كلل ولا ملل لإعادة الدور الفاعل للتعليم العالي في لبنان، أكاديميًا وثقافيًا وطنيًا. ومن هنا أجد لزامًا عليّ أن أنوّه بالدور المميّز الذي تقوم به جامعة طرابلس في مجلس الرابطة وفي مختلف لجانها؛ فهي صوت جريء، يرفع المطالب المحقّة للجامعات والطلاب، ويسعى مع سائر الأعضاء إلى مقاربة جدية وعميقة لمسائل التعليم العالي”.
ولفت الى “حصول جامعة طرابلس على اعتماد دولي بهذا المستوى ك مدعاة فخر لكل لبناني، ودليل ساطع على أن الرصانة الأكاديمية لا تموت، وأن روح الإبداع في لبنان أقوى من كل التحديات”.
وفي الختام، بارك لجامعة طرابلس وأمل أن “يحفظ الله وطننا، وأن يمنحنا العزم لمواصلة مسيرة العلم والبناء، وأن يلهمكم الصبر والإصرار لمواجهة التحديات. وليكن هذا اللقاء مناسبةً لتجديد إيماننا بأن لبنان – مهما قست الظروف – سيظل أرض العلم، وأرض الحرية، وأرض الكرامة”.
ثم ألقى الطالبان أحمد منصور وفاطمة سيور كلمة الخريجين والخريجات،
البساط
وألقى البساط كلمة رئيس الحكومة نواف سلام، فقال: “يشرفني أن أقف بينكم اليوم، ممثّلًا دولة رئيس مجلس الوزراء، لأحمل إليكم تحياته الحارّة وتمنياته الصادقة بأن يكون هذا اليوم فاتحة خيرٍ عليكم وعلى أهلكم، وأن يكون تخرّجكم من جامعة طرابلس بداية مسيرة مليئة بالنجاحات والعطاء.
أوّل ما أقول: مباركٌ لكم هذا الإنجاز العظيم. إنّ هذا اليوم هو ثمرة سنواتٍ من الجدّ والسهر، ووفاءٌ لآبائكم وأمهاتكم الذين تعبوا وضحّوا، وفخرٌ لأساتذتكم الذين منحوا من علمهم وخبرتهم. إنّه يوم يليق بكم وبوطنكم.
أيها الأحبّة، جامعة طرابلس ليست مجرّد مؤسسة تعليمية، بل هي صرح وطني وثقافي. على مدى أربعة عقود ونصف، بقيت منارةً للعلم والفكر، وورشةً دائمة لتخريج أجيال تتحمّل مسؤولياتها في المجتمع.
وطرابلس نفسها، هذه المدينة العريقة، ليست مجرّد جغرافيا، بل روح حيّة. مدينة قاومت التهميش، وواجهت المحن، وبقيت واقفة. طرابلس هي مدينة التجدد، مدينة الثقافة والإبداع، مدينة الشباب الطموح الذي لا يعرف المستحيل.
وهذا النهج بالذات هو ما يجعل أبناء هذه الجامعة، وأبناء طرابلس عامةً، جسورًا للتلاقي لا للانقسام. وبذلك تصبح جامعة طرابلس مدرسةً للعلم، ومنارةً للقيم، وجسرًا يربط حاضر لبنان بمستقبله، وموقعه الطبيعي بأمّته العربية وبالعالم.
أيها الخريجون، لا يخفى عليكم أنّ لبنان يمرّ بمرحلة دقيقة. الصدمات التي أصابت اقتصادنا في السنوات الماضية كانت قاسية: انهيار مالي غير مسبوق، شلل سياسي، وحرب مدمّرة. هذه الصدمات دفعت اقتصادنا بعيدًا عن طاقاته الحقيقية. لكننا، بقيادة دولة الرئيس نواف سلام، نعمل بجدّ على إصلاحات مالية ومؤسساتية وقطاعية هدفها الأول والأخير إعادة النهوض، ومضاعفة الناتج المحلي خلال السنوات المقبلة.
قد يتساءل البعض: هل نستطيع أن ننهض مجددًا؟ والجواب هو: نعم. فلدى لبنان مقوّمات استثنائية: موقعه الجغرافي، طاقات قطاعه الخاص، واغترابه الغني. لكن ما نراهن عليه حقًا، وما نعتبره ميزة لبنان الأهم، هو أنتم: رأس المال البشري. الكفاءة، المهارة، الشغف، الأخلاق… هذه هي ثروتنا الحقيقية، وميزتنا التنافسية في عالم متحوّل. ولهذا فإن التعليم لم يعد مجرد قيمة إنسانية نكرّمها، بل أصبح حاجة وطنية اقتصادية وجودية.
إنّ كل ما نقوم به في هذه الحكومة، وكل إصلاحٍ نسعى إليه، وكل رؤيةٍ نخطّها، إنما هو من أجلكم أنتم: الجيل الجديد. أنتم أمل هذا الوطن ورأسماله الحقيقي. نحن نؤمن أنّ الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأجدى، ولذلك فإنّ التزامنا بدعم جامعات لبنان، عامّةً وخاصّةً، هو التزامٌ ثابت. فالجامعة ليست فقط مكانًا للعلم، بل هي محرّك أساسي للنهوض الاقتصادي والاجتماعي، وضمانة لبقاء لبنان منارةً للعلم في هذه المنطقة.
أيها الأحبّة، طرابلس لم تكن يومًا مدينة طرفية أو على الهامش. لقد كانت، وستبقى، مركزًا محوريًا في تاريخ لبنان واقتصاده وثقافته. فهي قلب الشمال، وركيزة أساسية لأي رؤية إنمائية متكاملة. ولا يمكن لأي مشروع للتنمية في لبنان أن يكتمل ما لم يكن الشمال حاضرًا فيه، وما لم تكن طرابلس في قلبه. من هنا، فإنّ النهوض بمرافقها الحيوية هو نهوض بطرابلس، والنهوض بطرابلس هو نهوض بالوطن بأسره.
وإذا كانت طرابلس مركز إشعاع علمي واقتصادي وثقافي، فإنّ جامعتَها العريقة هي برهان حيّ على ذلك. هذه الجامعة لم تكن يومًا محصورة بأبناء طرابلس فقط، بل احتضنت عبر مسيرتها الطويلة أبناء الشمال كلّه، وفتحت أبوابها لشباب وشابات من مختلف مناطق لبنان. هي جامعة تربط المدينة بوطنها، والشمال بجنوبه، ولبنان بعالمه الأوسع.
إنّ تخريج دفعات جديدة من كليات الشريعة والدراسات الإسلامية، وإدارة الأعمال، والآداب والعلوم الإنسانية، والتربية، هو تأكيد على تنوّع لبنان وغناه. أنتم جيل المعرفة، جيل التجدد. أينما ذهبتم، كونوا رسلًا للقيم التي تربّيتم عليها، واصنعوا الفرق في كل مجالٍ تعملون فيه.
أنتم اليوم، بما تحملونه من معرفة وشغف وذكاء وأخلاق، أنتم أمل هذا البلد الحقيقي. أنتم من سيصنع الفجر الجديد، أنتم من سيعيد للبنان إشراقه ومكانته.
ختامًا، لا يسعني إلا أن أعبّر عن اعتزازي الكبير بوجودي بينكم اليوم، أحيّيكم باسم دولة الرئيس، وأجدّد التهنئة للخريجين وأهاليهم، ولأساتذتكم وجامعتكم. وأدعو الله أن يجعل من مسيرتكم المقبلة مسيرةً مباركة، تكتبون فيها فصولًا جديدة من النجاح.
تكريم وتوزيع شهادات
بعد ذلك تم تكريم المنشد الإسلامي محمد منذر السرميني ومنحه شهادة الدكتوراه الفخرية العالمية في الأدب الإسلامي، وتكريم السيد وسيم مغربل ومنحه الدكتوراه الفخرية في إدارة الأعمال الخيرية. وتم توزيع الشهادات على الخريجين والخريجات.